أكدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام على التآزر والتعاون والتواصل والتحابب ليكون الود والوئام والسلام هو الحاكم في العلاقات الاجتماعية بين الفرد والمجتمع وبين الأفراد أنفسهم ، فلا يطغى حق الفرد على حق المجتمع ، ولا حق المجتمع على حق الفرد ، ونهوا عن تبادل النظرة السلبية كحد أدنى في الحقوق المترتبة على الفرد اتجاه المجتمع ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا يحل لمسلم أن ينظر إلى أخيه بنظرة تؤذيه » (1).
وعدم جواز النظرة السلبية يعني عدم جواز سائر مظاهر الأذى ومصاديقه في القول وفي الممارسة العملية ، فلا تجوز الغيبة ولا البهتان ولا الاعتداء على أموال الآخرين وأعراضهم وأرواحهم ، بل يجب صيانة حرماتهم بجميع مظاهرها.
وحثّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مداراة الآخرين والرفق بهم ، والالتزام بهذه التوصيات من شأنه أن يؤدي إلى مراعاة جميع الحقوق الاجتماعية لانبثاقها منها وتفرعها عليها ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : « مداراة الناس نصف الايمان ، والرفق بهم نصف العيش » (2).
ومن أحب الأعمال إلى الله تعالى والواقعة في أُفق مراعاة الحقوق الاجتماعية هي ادخال السرور على المؤمنين ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ أحبّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ إدخال السرور على المؤمنين » (3).
وإدخال السرور يتحقق باسماعهم الكلمة الطيبة والقول الجميل ، واحترامهم ، والتعاون في حلِّ مشاكلهم ، ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم ، وأفراحهم وأحزانهم ، والدفاع عن أموالهم وأعراضهم وأنفسهم ، ورفع الأذى عنهم ، ونصرتهم للقيام بمواجهة أعباء الحياة.
وحدّد الإمام جعفر الصادق عليه السلام سبعة من الحقوق تكون مصداقاً لادخال السرور على المؤمنين من أفراد المجتمع الكبير ، عن معلّى بن خنيس ، عن الصادق عليه السلام قال : قلت له : ما حقّ المسلم على المسلم ؟ قال له : « سبع حقوق واجبات ما منهنَّ حقّ إلاّ وهو عليه واجب ، إن ضيّع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته ، ولم يكن لله فيه من نصيب ...
أيسر حقّ منها : أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك ، وتكره له ما تكره لنفسك.
ومنها : أن تجتنب سخطه ، وتتّبع مرضاته ، وتطيع أمره.
ومنها : أن لا تشبع ويجوع ، ولا تروي ويظمأ ، ولا تلبس ويعرى.
ومنها : أن تبرّ قسمه ، وتجيب دعوته ، وتعود مريضه ، وتشهد جنازته ، وإذا علمت أنَّ له حاجة تبادره إلى قضائها ، ولا تلجئه أن يسألكها، ولكن تبادره مبادرة ، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته ، وولايته بولايتك» (4). وفي رواية أُخرى ذكر عليه السلام جملة من الحقوق فقال : « إنَّ من حقّ المؤمن على المؤمن : المودة له في صدره ، والمواساة له في ماله ، والخلف له في أهله ، والنصرة له على من ظلمه ، وان كان نافلة في المسلمين وكان غائباً أخذ له بنصيبه ، وإذا مات الزيارة في قبره ، وأن لا يظلمه ، وأن لايغشه ، وأن لا يخونه ، وأن لا يخذله ، وأن لا يكذب عليه ، وأن لا يقول له أفّ.. » (5).
ومن الحقوق أن يناصح المؤمن غيره من المؤمنين ، قال الامام الصادق عليه السلام : « يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه » (6).
ومن الحقوق : صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، والوفاء بالعهد ، وحسن الخلق ، والقرب من الناس ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أقربكم مني غداً في الموقف أصدقكم للحديث ، وآداكم للأمانة ، وأوفاكم بالعهد ، وأحسنكم خلقاً ، وأقربكم من الناس » (7).
ومن الحقوق تحكيم الأواصر المشتركة في العلاقات ، والتعامل من خلال الاُفق الواسع الذي يجمع الجميع في أُطر ونقاط مشتركة ، ونبذ جميع الأواصر الضيقة ، فحرّم الإسلام التعصب للعشيرة أو القومية ، ودعا إلى إزالة جميع المظاهر التي تؤدي إلى التعصب المقيت ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ليس منّا من دعا إلى عصبية ، وليس منّا من قاتل على عصبية ، وليس منّا من مات على عصبية » (
.
ومن أهم الحقوق إصلاح ذات البين ؛ لأنّه يؤدي إلى علاج كثير من الممارسات السلبية التي تفكّك أواصر الأخاء وتستأصل الوئام في أجوائه، لذا قال صلى الله عليه وآله وسلم : « إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام » (9).